كشف المتدخلون في لقاء نظمته جمعية التحدي للمساوة والمواطنة أن وضعية النساء تتحسن أو تسوء حسب مساحة الحريات الفردية الموجودة في المجتمع. جاء ذلك خلال تقديم بعض نتائج الدراسة ميدانية حول الحريات الفردية، نظمته الجمعية بشراكة مع مؤسسة منصات وبرنامج جيل ومؤسسة الطاهر السبتي. وشارك في الفعالية التي احتضنها مقر مؤسسة الطاهر السبتي الجمعة الماضية، عزيز مشواط مدير مؤسسة منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية، والباحث الرئيسي في المؤسسة محسن الرحوتي وخريج برنامج جيل الباحث جعفر مهدي. وأدرات الفعالية الخبيرة في النوع الاجتماعي سعاد الطاوسي. وفي افتتاح الفعالية التي عرفت حضور محامين ومحاميات، وسيكولوجيين، فعاليات مدنية، ورجال تربية، قالت رئيسة جمعية التحدي، بشرى عبدو، أن اللقاء يأتي في إطار انفتاح الجمعية على الفعاليات الأكاديمية وتجسير التعاون بين المجتمع المدني والفاعلين الأكاديميين.
الرحوتي: تحسن الحريات الفردية قد يقلص مساحة العنف
وفي مداخلة بعنوان الحريات الفردية ووضعية المرأة كمسألة اجتماعية بمغرب اليوم، قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة فاس، محسن الرحوتي أنه من منطلق الافتراض فإن وضعية المرأة تتحسن أو تسوء حسب مساحة الحريات الفردية الموجودة في المجتمع. بمعنى أنه كلما تعززت تلك الحريات وانغرست في التربة الاجتماعية، انعكس ذلك على أوضاع النساء عموما، و مايمسهن من عنف وسيطرة خصوصا.
ورصد المتدخل أنه وبالرغم من كل التشريعات، المجهودات والتدخلات الرسمية وغير الرسمية، المؤسساتية والمدنية...إلا أن شروط المرأة لم تتحسن بالشكل المطلوب. بحيث نجد مثلا أن العنف ضد النساء ما فتئ يتصاعد منذ عقود.
وأضاف الرحوتي أنه انطلاقا من دراسة " منصات" يمكن رصد عدد من المؤشرات " المقلقة" بخصوص وضعية النساء بالمغرب. نركز على اثنين منها. يتعلق المؤشر الأول بعدم الحسم على المستوى المجتمعي بخصوص المشروع الحداثي بشكل تام و واضح ( ضعف الاستناد على المرجعية الحقوقية الكونية في بناء التمثلات و السلوكات اتجاه الآخر). بينما يتعلق المؤشر الثاني بعدم الحسم في مسألة المواطنة ( فما زال نسبة مهمة من المغاربة يتعرفون على أنفسهم كمسلمين أولا و ليس كمغاربة أولا).
واستنتج المتحدث باعتماد المؤشرين، أن ذلك لا يساعد إلى حد كبير على تحسين وضعية المرأة، و لا على تمتعها بحرياتها الفردية، و بالتالي الانفلات من سطوة العنف بأشكاله المختلفة، ما دام المجتمع لم يحسم في نظرته لها كإنسانة و مواطنة تستمد قيمتها و كرامتها من ذاتها و ليس من مرجعيات الجماعة و المقدس...
وأشار الرحوتي أن الاكتفاء بعلاجات موضعية (التشريعات، التدخلات القطاعية، العمل الجمعوي و المدني...) لن تنقذ " الجسم الاجتماعي" من "غانغرينا" اللامساواة والعنف ضد نسائه بشكل تام. بل ينبغي الذهاب في اتجاه تبني مقاربة شمولية يتم التوافق حولها من مختلف القوى والفاعلين الاجتماعيين. مقاربة تتعامل مع قضايا المرأة المختلفة، ليس باعتبارها ظواهر اجتماعية، مشكلات اجتماعية، موضة عابرة... بل باعتبارها مسألة اجتماعية une question sociale على أساس ارتباطها بضرورة بناء نظام اجتماعي un ordre social جديد، حديث و فعال يضمن استدامة العيش المشترك بين كافة أفراد المجتمع الواحد رجالا و نساءا على قدم المساواة.
عزيز مشواط : العنف ضد الجسد الأنثوي رد على الإخلال بنظام متخيل
ومن جهته أكد عزيز مشواط، مدير مؤسسة منصات، أنه وبالرغم من كل التحولات التي شهدها المجتمع المغربي، فإن التمثل السائد حول الجسد الأنثوي لا زالت تربطه بالجسد الشرعي الذي يتوافق مع المعايير الاجتماعية وبالتالي فالجسد وإن كان ملتصقا بخصوصية الفرد وحريته، فلا يزال التمثل السائد حوله يربطه بجسد الجماعة الذي يجب حمايته ومنعه من خرق المعايير.
وأضاف أن هذا التمثل يتم تأبيده واستمراريته بفعل تمثلات ذكورية تحرّضُّ الرّجال على أن يكونوا رجالا. هذه الذكورية ليست حكرا على الرجال فقط بل إنها تشمل تمثلات النساء اللواتي يعدن إنتاج هذه التمثلات حول ذواتهن، وهو ما يفسر عددا من نتائج بحث منصات حول الحريات الفردية، حيث تبدي النساء مواقف أكثر محافظة من الرجال.
وأبرز مشواط، في قراءته لنتائج دراسة منصات حول تمثلات الجسد، أنه في المغرب على سبيل المثال لا الحصر، يتسرب الجسد من بنيته إلى بنيات أخرى فتصير أعضاء الجسد طعاما، والثديين تصير تفاحا، والخصر يصير طرف أو "نص"، والفتاة تصير "زبدة"، وفروماجة، وتوت أو فريز، وجسد المرأة "دانون" يؤكل ويطحن. وأضاف المتحدث أن تسرب الجسد إلى بنيات أخرى لا يتم في فراغ، بل يتم ضمن مجتمع مغربي بالرغم من كل التحولات الاجتماعية التي يعرفها، فإنه مطبوع بتاريخ من الهيمنة والسّلطة الذكورية. وهو فعل يتم تأبيده باستمرار، فاللذين يأكلون ويطحنون ويضربون هم الذكور فقط. وأن دلالة "الأكل" والطحن والضرب هي فعل ذكوري بامتياز.
وتوقف مشواط عند ما سماه الجسد الأنثوي الشرعي، حيث بالرغم من كل الديناميات التي تخترق المجتمع المغربي، فجسد المرأة لا يزال في الواقع جزءا لا يتجزّأ من جسد الجماعة، العشيرة أو القبيلة بأكملها. وقدم مشواط أمثلة تفيد أن تمثلات العنف الممارس ضد الزوجة، الأخت، الصديقة، أو حتى الأم في بعض الحالات تعبّر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن الرّدّ الاجتماعيّ على كلّ فعل من شأنه استفزاز النّظام والإخلال ببنيانه المتخيل. وهكذا يصبح العنف ضد المرأة مبررا، فمن أخلّ بالنّظام قد أضرّ بالجسد الكامل للمجتمع، وبالتّالي فإنّ الثّمن سوف يدفع من جسده هو وعلى مرأى ومباركة من الجميع لكي يكون عبرة لمن يعتبر.
جعفر مهدي: الحريات الفردية ومفارقات السياسة الدينية
ومن جهة أخرى قدم مهدي جعفر قراءة في معطيات البحث الكمي الذي أنجزه فريق الباحثين التابع لمركز منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية، حول واقع الحريات الفردية بالمغرب. وتناول مهدي ما كشفه البحث من تغيرات وتحولات مست المجتمع المغربي في اتصال بقضية الحريات الفردية. تتجسد أبرز هذه التغيرات في ظهور تباعد بين ممارسات المغاربة لحرياتهم الفردية من جهة، ووعيهم المبرر و المشرعن لها من جهة أخرى. كما تطرق بالخصوص إلى مساهمة السياسات الدينية في بروز هذه المفارقة، مقترحا البدائل الممكنة لرأب صدع هذا التباعد بين ممارسات وخطابات المغاربة اتجاه الحريات الفردية.
وقال المتحدث أن المجتمع المغربي يشهد جملة من التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقيمية، التي يقع بروز الفرد والاتجاهات الفردانية في قلبها، ما يكثف الطلب على الحريات الفردية. غير أن المثير للانتباه في سياق هذه الدينامية الاجتماعية هو أن بعض الدراسات -مثل الدراسة الحديثة لمركز منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية- تشير إلى أن حجم النقص في "وعي حديث" ومتطابق مع إيقاع دينامية الممارسات اليومية للمغاربة، كبير إلى حد ما، خصوصا على مستوى الوعي بشرعية الحريات الفردية بشكل عام، والدينية والجنسية بشكل خاص. حيث تميل شريحة لا بأس بها من المغاربة نحو هذه الحريات في الممارسة، إلا أن هذا الميل لا يوازيه تطور بنيوي في الوعي الجماعي للمغاربة اتجاه مشروعية هذه الحقوق والحريات، الشيء الذي يعرقل الاعتراف بها ومَأسستها بشكل رسمي وقانوني.
Developed by DIAMANTECH © 2020