بشراكة مع مؤسسة هانس سايدل، نظمت مؤسسة منصات للأبحاث والدراسات الإجتماعية الدورة التكوينية الثانية لفائدة المشاركين في برنامج جيل في نسخته الثالثة بفندق إيبيس بمدينة المحمدية يومي 07 و08 يوليوز الجاري، تحت عنوان " النساء، الفضاء العام والحريات الفردية ". عرفت هذه الدورة مشاركة وحضور عدد من الأساتذة الباحثين في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والعلوم السياسية. وتم تأطيرها من طرف الأستاذ عزيز مشواط مدير المؤسسة، الأستاذ بوشعيب مجدول من جامعة ابن زهر أكادير، السعدية التوقي أستاذة جامعية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، محمد محسن الرحوتي من جامعة سيدي محمد بن عبد الله، عبد الرحمان الزكريتي من جامعة عبد الملك السعدي بتطوان وأستاذ العلوم السياسية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس مصطفى المناصفي.
في افتتاح الدورة التكوينية، استعرضت السعدية التوقي، من خلال مداخلة بعنوان "فاطمة المرنيسي الحدود وما وراء الحدود"،الإشكال المتعلق بالحديث عن الحريات الفردية وبالأخص في صفوف النساء، خصوصا وأن هذا الطرح يأتي كنقيض لمجتمع يسود فيه الفكر الذكوري. و أكدت المتدخلة على الدور الفعال الذي لعبته عالمة الاجتماع الراحلة فاطمة المرنيسي في إنتاج فكر جديد ومتجدد من خلال طرحها للعديد من القضايا التي تهم النساء كحرية الجسد، مكانة المرأة في المجتمع والتطورات الحاصلة في المجتمعات الإسلامية. وتوقفت الباحثة عند أحد أهم المفاهيم التي طرحتها الراحلة فاطمة المرنيسي وهو مفهوم " الحريم" و أبرزت أنه من خلال توظيف الحدود المرئية وغير المرئية التي تلف جسد النساء وتكبح حرياتهن وتقيد تصرفاتهن، كشفت المرنيسي هذه الحدود التي اعتبرتها شكلا من أشكال العادات المتوارثة والمغروسة في مجتمعنا. وهنا يمكن ان نسجل تحول المرنيسي إلى أيقونة للحرية باعتبارها حلما وجب العمل والمقاومة لنيله.
وبدوره قدم الأستاذ محسن محمد الرحوتي نتائج البحث الكمي للمؤسسة والمعنون ب " الحريات الفردية تمثلات وممارسات." وركز المتدخل بالخصوص على الشق المتعلق بحرية المرأة بين الفضاءين الخاص والعام. وأشار في هذا الصدد أن الحديث عن حرية الجسد لا يمكن إلا أن يتم بالحديث عن الجسد الأنثوي الخاضع لسطوة الجماعة ولأحكام النص الديني والنص القانوني وكذا الرقابة الذاتية التي تظهر جليا عند أغلب النساء بمجرد الحديث عن حرية اللباس وغيرها من الحريات الأخرى.
وأشار في معرض تقديمه للنتائج أن عدم قبول الأغلبية بالحقوق الكونية للإنسان ينعكس سلبا على حقوق المرأة وهذا ما أظهرته جليا النسب والإحصاءات التي جاء بها التقرير. التقرير نفسه الذي أظهر أن قرابة نصف المستجوبين يرون بأن تطبيق الشريعة الاسلامية هو الحل الأمثل لجميع مشاكل مجتمعنا.وأكد المحاضر وجود فئة متأرجحة في إجاباتها تشكل عقبات تحول دون تحرر المرأة وضمان حريتها. أما بالنسبة لمسألة الانتقال من الفضاء العام الذي يقوم على الاعتراف بحرية الآخر دون المساس بحرية الأنا إلى الفضاء الخاص لممارسة الحرية، فيرى الأستاذ الرحوتي أن الحرية في هذه الحالة لا تحافظ على معناها فالمعنى الحقيقي للحرية يقتضي ممارستها في الفضاء العلم حيث يتجاور الأنا والآخر.
ومن جهته أكد السوسيولوجي عبد الرحمن الزكريتي في مداخلة قدم خلالها نتائج البحث الكيفي المعنون ب "الحريات الفردية، ما يقوله المغاربة" على أن للحرية الفردية ثلاث تمثلات؛ الأول يعتبرها حرية وحقا مطلقا، الثاني يعتبرها حق الفرد وسط الجماعة أي أن وجودها مرتبط بوجود الآخر، أما التمثل الثالث والأخير فيعتبرها فسادا وانحلالا أخلاقيا.
ومن حيث الممارسة يقول الأستاذ الزكريتي أن الفرد يواجه عدة إكراهات وجب الموازنة بينها وبين رغباته. وعاد الزكريتي إلى عدد من الاكراهات التي يمكن تلخيصها في مركب الحشمة، التقاليد، فكرة الهوية الجماعية التي لا يمكن التمرد عليها، الجانب المادي الذي يمكن البعض من ممارسة حرياتهم بكل طلاقة ويفرض الرقابة على البعض الآخر،والتمثل الديني، أو التقيد بما هو مسموح به دينيا وبما هو مرفوض.
أما بالنسبة لممارسة النساء لحرياتهن، فمن الملاحظ، حسب الأستاذ الزكريتي أن النساء هن من يمارسن الرقابة الذاتية ــ المستبطنة والمستمدة من التنشأة الاجتماعية ــ على هذا الجسد المبني من خلال تمثلنا للنصوص القانونية والدينية التي تشكله وتتطبق عليه، والذي تعتبره الأغلبية جسد الجماعة، أي الخاضع للتملك والسيادة الجماعية لما يمثله من مظاهر الشرف.
وخلال مداخلته تشارك الانتروبولوجي بوشعيب مجدول مع المشاركين تجاربه في البحث العلمي وبالضبط في مجال قراءة الأدبيات. وفي سياق تقديمه للمطبخ الداخلي للباحث، أكد مجدول بأنه على الباحث أولا أن يراكم عددا من التجارب التي تخول له الكتابة. وكمدخل لقراءة الأدبيات يقول الأستاذ مجدول بأن هذه الأخيرة تنتج في تلك المرحلة بين ما يعرفه الباحث وما هو في صدد البحث عنه.
وفي ذات السياق أشار الأستاذ مجدول إلى ضرورة الكتابة الواضحة مع تجنب الإطالة في النص المكتوب، واحترام مبدئي التحليل والوصف الموجزين. كما أكد على ضرورة القيام بالبحث الميداني الذي من شأنه كذلك أن يغني كتابات الباحثين. وفي ختام مداخلته أعطى الأستاذ مجدول العديد من الطرق والتقنيات التي ستساعد الباحثين الشباب على تحليل التيمات التي سيشتغلون عليها خلال هذه النسخة من برنامج جيل.
وفي مستوى آخر من التكوين الخاص بأرواق السياسات، قدم أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولاي سماعيل مصطفى المناصفي الأسس والأهداف والقواعد التي تقوم عليها أوراق السياسات، حيث قام باستعراض مختلف مراحل بناء أوراق السياسات بدءا من اختيار موضوع الورقة، مرورا بالتحليل وبناء الحجج وصولا إلى عرض ونشر هذه الورقة. كما ساعد المشاركين في التحضير للعمل ضمن مجموعات واختيار تيمات الأوراق التي سيتم الاشتغال عليها خلال هذه الدورة.
Developed by DIAMANTECH © 2020